المنْجزون المدْفوعون بِالرُّؤْيا والرِّسالة مُقَابِل التَّسَلُّق الاجْتماعيِّ
تَأثِير الدَّافع على النَّجَاح
” ” فِي جميع المجْتمعات، غالبًا مَا نُوَاجِه نوْعيْنِ مِن الأشْخاص: المنْجزون والْمتسلِّقون الاجْتماعيُّون. فِي حِين أنَّ كِلْتَا المجْموعتيْنِ قد تَحقَّق النَّجَاح، هُنَاك اِختِلاف جَوهَرِي فِي نَهجهِم ودوافعهم، فالنَّاجحون الَّذين تَحركِهم الرِّسالة هُم أَفرَاد لَديهِم مُهمَّة وَرُؤيَا وَاضِحة ويعْملون بِجدِّ لِتحْقيقهَا، أَنهُم مدْفوعون بِأنْفسهم، ومثابرون، ويعْملون بِمنْهجيَّة وَاضِحة ويعْرفون إِلى أَيْن يتَّجهون، إِنَّهم مُتحمِّسون لِأهْدافهم ومسْتعدُّون لِتحمُّل مَخاطِر مَحسُوبة لِتحْقيقهَا، أَنهُم يُؤْمنون بِأهْدافهم ولَا يخْشوْن العمل اَلْجاد والنَّكسات والْفَشل لِأنَّهم يروْن أَنهَا فُرَص لِلتَّعَلُّم والتَّحْسين، يُغذِّي عَملُهم اَلْجاد رغْبتَهم فِي تَحقِيق أهْدافهم وإحْدَاث تَأثِير إِيجابيٍّ على المجْتمع. أَمَّا المتسلِّقون الاجْتماعيُّون، مِن نَاحِية أُخرَى، هُم أَفرَاد تحرُّكَهم فِي المقَام الأوَّل دوافعهم الشَّخْصيَّة والْبعيدة عن الرُّؤْيا والرِّسالة والْأهْداف الواضحة والصَّادقة، ترْكيزهم فِي المقَام الأوَّل على الرَّغْبة فِي تَحقِيق مَصالِح شَخصِية، ووضْع اِجْتماعيٍّ ومادِّيٍّ، ولو على حِسَاب الآخرين، غالبًا مَا يَنظُر إِليْهم على أَنهُم اِنْتهازيُّون وغيْر صَادقِين، لِأنَّ أفْعالهم مَدفُوعة ومركَّزة على الرَّغْبة فِي تَحقِيق أَهدَاف ثَانوِية بدلا مِن الرَّغْبة الصَّادقة فِي إِحدَاث تَأثِير إِيجابيٍّ على المجْتمع، يهْتمُّون بِإثارة إِعجَاب الآخرين أَكثَر مِن اِهْتمامهم بِتحْقِيق أهْدافهم، وقد يتَّخذون طُرُقا مُختصرَة أو ينْخرطون فِي سُلُوك غَيْر أخْلاقيٍّ لِلْمضيِّ قُدُما فِي تَحقِيق مصالحهم.
قد يُحقِّق المنْجزون المدْفوعون بِالمهمة والْمتسلِّقين الاجْتماعيِّين النَّجَاح، وَلكِن يَكمُن الاخْتلاف فِي دوافعهم وتأْثيرهم، فِي الوقْتِ اَلذِي يَعمَل المنْجزون الصَّادقون الموجِّهون بِالمهمة نَحْو تَحقِيق أَهدَاف تَعُود بِالْفائدة على المجْتمع كَكُل، فَهْم غالبًا مَا يُشاركون فِي الأنْشطة الخيْريَّة ويعْملون مِن أَجْل جَعْل العالم مكانًا أَفضَل، لََا يَقتَصِر نجاحهم على تَحقِيق مَكاسِب شَخصِية فحسْب، بل يَتَعلَّق أيْضًا بِإحْدَاث تَأثِير إِيجابيٍّ على من حَولهِم وَعلَى المجْتمع فَهْم أَصحَاب رُؤيَا ورسالة هَادِفة وَصادِقة.
مِن نَاحِية أُخرَى، قد يُحقِّق المتسلِّقون الاجْتماعيُّون نجاحًا مُؤَقتا، لَكِن تصرُّفاتهم غالبًا مَا تَكُون مَدفُوعة بِدوافع أَنانِية وقد لََا يَكُون لَهَا تَأثِير إِيجابيٌّ دَائِم على من حَولهِم وَعلَى المجْتمع، يَضعُون مصْلحتهم الشَّخْصيَّة فَوْق كُلِّ اِعتِبار ويعْملون فقط مَا يُحقِّق مصالحهم الشَّخْصيَّة، وقد يسْتخْدمون وَسائِل غَيْر أخْلاقيَّة لِلْمضيِّ قُدُما فِي تَحقِيق أهْدافهم، مِمَّا يُعرِّض نزاهتهم وقيمَهم لِلْخطر.
يَلجَأ المنْجزون المدْفوعون بِالرَّغْبة إِلى الاسْتعانة بِأشْخَاص تَشبهِهم ويركِّزون على الكفاءة، وَعلَى أَشخَاص يُشاركونهم الرُّؤْيا والرِّسالة وَلديْهِم نَفْس الدَّوافع لِتحْقِيق أَهدَاف سَامِية تَعُود عَليهِم وَعلَى المجْتمع بِالْخَيْر والنَّفْع. أَمَّا المتسلِّقون الاجْتماعيُّون فَغالِبا مَا يلْجئون إِلى الاسْتعانة بِأشْخَاص تَشبهِهم أيْضًا مِن غَيْر ذَوِي الكفاءة أو أَصحَاب المصالح الشَّخْصيَّة، فَهْم الوسيلة الجاهزة دائمًا والسَّهْلة، والْقادرين على رُكوبِهَا لِإيصالهم إِلى غَايتِهم وموافقتهم على أساليبهم غَيْر المهْنيَّة، وأيْضًا أَصحَاب المكْر والْخداع المصالح الشَّخْصيَّة المباشرة لِأنَّهم الأسْهل لِلانْقياد والانْصياع.
المنْجزون المدْفوعون بِالرِّسالة غالبًا مَا تَكُون إِنْجازاتهم وَاضِحة وأفْكارهم أَصِيلَة وأثرهم على أَنفسِهم وَعلَى غَيرهِم وَعلَى المجْتمع مُبَاشرَة وموثَّقة ومعْروفة وَظاهِرة، ويبْذلون جُهودًا كَبِيرَة، وكثيرًا مِن الأحْيان تَطوعِية لِمساعدة الأخْرينِ والْمجْتمع، أَمَّا المتسلِّقون الاجْتماعيُّون فليْس لَديهِم إِنجَاز وَاضِح ومباشر وَغالِبا مَا يتطفَّلون على إِنْجازات غَيرُهم أو يسْرقونهَا أو ينْسبونهَا لِأنْفسهم بِغَير وَجْه حقٍّ، هَمهَم اَلوحِيد مصْلحتهم الشَّخْصيَّة وَهِي فَوْق كُلِّ اِعتِبار، وَلديْهِم اَلقُدرة على قَلْب وتغيُّر الحقائق ولَا يتورَّعون عن اَلكَذِب والتَّلاعب، وَإذَا دَققَت النَّظر فِي سِيرتِهم فلَا تَكَاد تَجِد لَهُم إِنْجازًا مُجْتمعيًّا أو أدبيا أو علميا أو فكريا أو غيره يفْخرون بِه، ولَا يُقدِّمون المساعدة لِغيْرِهم إِلَّا بِمَا تَقتضِيه مصالحهم الشَّخْصيَّة، وَغالِبا مَا يُعادون كُلٌّ مِن يَقِف فِي وَجْه مصْلحتهم الشَّخْصيَّة ويعطِّلون كُلًّ مَا لََا يَخدِم مصْلحتهم.مِن اَلجدِير بِالذِّكْر أنَّ بَيْن هذَا وَذَاك يُوجَد مَجمُوعة هَجِينَة ، مُتَقلبَة الأهْواء ووفْق مَا تَقتضِيه الحاجة والْمصْلحة الشَّخْصيَّة .
فِي الختَام ، فَإِن كَونَك نَاجِح مَدفُوع بِالرُّؤْيَا والرِّسالة والْمهمَّة النَّبيلة لَهُو أمر ضَرورِي لِتحْقِيق النَّجَاح وإحْدَاث تَأثِير إِيجابيٍّ على المجْتمع ، يُحرِّك المنْجزون المدْفوعون بِالرِّسالة إِحْساسًا بِالْهَدف والشَّغف ، مِمَّا يُغذِّي عَملُهم اَلْجاد وتفانيهم . مِن نَاحِية أُخرَى ، قد يُؤدِّي التَّسَلُّق الاجْتماعيُّ إِلى نَجَاح مُؤقَّت ، لَكنَّه يَفتَقِر إِلى نَفْس عُمْق الهدف والْإخْلاص مِثْل كَونِه مُنْجزًا مَدفُوعا بِالرُّؤْيَا والرِّسالة . مِن اَلمهِم التَّعَرُّف على الفرْق بَيْن الاثْنيْنِ والسَّعْي لِأن تَكُون مَدفُوعا بِرغْبة صَادِقة لِإحْدَاث تَأثِير إِيجابيٍّ على المجْتمع ، فَسنَّة اَللَّه أنَّ مَا يَنفَع النَّاس يَمكُث فِي الأرْض .