تقديم – المعلم العربي

في زمن طغت فيه الأمية الثقافية على شرائح واسعة من شباب الامة العربية وأصبح الكثيرون منهم يحملون الشهادات بمختلف مستوياتها لكنهم يجهلون الكثير من مفردات وأركان وأسس وثوابت ثقافة الأمة، وتجدهم لا يعلمون الحد الادنى من السياق التاريخي للعديد من قضايانا المركزية، يحق لنا حينئذ ان نقول ان هذا ينبئ عن تفشي أمية ثقافية. وربما كان الوضع على درجة من السوء تسمح لنا بالوصول لإطلاق صفة “الجهل العام” على شرائح واسعة من الشعب العربي. ليس الجهل الذي عكسه “العلم”، العلم المكتسب من حمل الشهادات والدرجات، لكنه الجهل الذي عكسه “الوعي” بالمشاكل والقضايا والأزمات التي نعيشها كأمة عربية، الوعي بهذه كلها من حيث الأصول والجذور والمسببات ومن حيث الحلول الفاشلة التي مورست وتمارس تجاهها منذ عقود وربما قرون والتي ربما تحولت الى سياسات تهدف الى تكريس هذه الأزمات والقضايا كجزء من واقع الأمة الذي يطلب منها التعايش معه وتقبله بل والرضى بأنه نتاج طبيعي للتركيبة الاجتماعية والنفسية وربما العقلية للشعب العربي.

وقبل أن ننزلق للتفكير في نظرية المؤامرة وما يستخلص منها دعونا نعرج على نقطة هي محور هدفنا من هذا المنتدى وهي النبع الذي يمكن ان ينبثق منه هذا الجهل العام الذي ذكرناه انفا، انها دور التعليم في تقليص الرقعة التي ينتشر ويتعمق فيها هذا الجهل. والحديث عن التعليم يستلزم بالدرجة الأولى التفكير في من يصنع ويوظف أدواته وهو المعلم. 

المعلم إذن هو هدفنا في هذا المنتدى، المعلم وليس المدرس، المعلم الذي يتخذ من التعليم هدفا اسمى وشرفا يفتخر به امام الناس وامام رب الناس. المعلم هو من يعلم الناس في كل مجال وأي مجال كان، ليس المعلم فقط هو من يدخل الصف ويعطي الحصص ويصحح الكراريس، وليس المعلم فقط هو من يؤلف الكتب أو يدرب المدرسين او يضع سياسات المناهج. المعلم هنا هو القدوة والقائد والمثال الذي يحتذيه المتعلمون في أي مجال كان. المعلم هنا أقرب الى السيد (master)، صاحب الكلمة المهابة والمقدرة واهل الاحترام والحب والتقدير لدى الجميع. فالمعلم أي فرع من فروع التعليم المدرسي أو الجامعي هو معلم، ومدرب الفنون هو معلم، ومدرب الكاراتيه وألعاب القوى هو معلم، ومعلم الميكانيك في الورشة هو معلم، وقس على ذلك الكثير…

عندما يقدم المعلم نفسه مثالا وقدوة يحتذي به تلاميذه في سلوكهم، ويبنون شخصياتهم ومبادءهم ومثلهم على القيم والمبادئ السامية التي يمتلكها ويبثها ويمارسها أمامهم اثناء قبل وبعد فترة تعليمه، عندها يكون معلما فعلا. وسواء كان يعلم الهندسة أو اللغة أو الرياضيات فهو يرفقها بسلوك وهيبة وأخلاق رفيعة تبدو جلية في أوقاته كلها، وسواء كان يعلم التاريخ أو الفن أو الطب، فشخصيته كل متكامل متزن يظهر فيها فكره ووعيه ويعلن فيها مبادئه التي يؤمن بها ويدافع عنها بشكل مهذب مقنع وحاسم. لا يتلون ولا تلوى، ولا يظهر الفهلوة والنفاق في قضية من القضايا على سبيل إشاعة الهزل والفرفشة، او ترطيب الاجواء، فهذا ممكن ومتاح دون الاخلال باحترام الذات والآخرين، ودون الهبوط إلى مستويات من الصفاقة والإسفاف.

يهدف هذا المنتدى الى توفير أرضية مشتركة للتواصل والتبادل الفكري بين أوسع شريحة من المعلمين العرب بغية الارتقاء بمستوى التعليم الفعال الذي يبني شخصية سليمة قوية على أسس من الوعي الذي يصبح منهج حياة للتلاميذ لينتج في النهاية شعبا واعيا منتجا يحترم ثقافة وثوابت أمته ويسعى بالتالي للمساهمة في تشخيص وتقديم الحلول الحقيقية الفعالة لكل ما يواجه الأمة من تحديات على كافة المستويات والصعد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *