كلمة لأولياء الأمور…

قديما كان المعلم في القرى والأرياف وحتى في أحياء المدن العربية صديقا للأسر، وكانت العلاقة في الغالب بين المعلم وأولياء أمور الطلبة تطبع الكثير من سلوكات هؤلاء الطلبة بطابع الأدب والخلق الرفيع، وتجعلهم أكثر التزاما وانضباطا واجتهادا للفوز بتقدير الفريقين. وكان هذا التقدير والاحترام من أولياء الأمور يضع على اكتاف المعلم مسؤولية اخلاقية أعلى، من منطلق الحرص على تأديب وتهذيب أولادهم فضلا عن تعليمهم ورعايتهم نفسيا وسلوكيا وشخصيا.
ومع اتساع المدن، وزيادة تعقيد وتيرة ومتطلبات الحياة، ومع دخول الجميع في دوامة العلاقات الواسعة المتشابكة، نشأ التركيز المفرط للأب على شؤون عمله وتقلص التواصل مع بقية الشؤون بما فيها العلاقات مع الجيران والاقارب، وشمل ذلك بالتأكيد معلمي اولاده ومدرستهم. ومع دخول نطاق واسع من الأمهات مجالات العمل المختلفة ضاقت مساحة التواصل مع المعلمات، وأصبحت تقتصر على اجتماعات متباعدة في المدرسة مع أولياء الأمور قد تحضرها او لا تحضرها، هذا إن تمت أصلا.

عمل كل هذا على تراجع مكانة المعلم في أوساطنا كأهل وأولياء أمور، وزاد هذا من الجفوة مع المعلم، وأصبح ينظر إليه كموظف يؤدي وظيفته مقابل أجر، لا أكثر من ذلك ولا ابعد ولا أعمق. وبطغيان حسابات المال والمادة، وبالنظر إلى المستوى الذي تضع “مهنة ” التعليم فيه صاحبها، فقد أصبحت العائلات في المجتمعات العربية تزدري المعلم و”مهنته”، وانتقل سلوك الازدراء هذا تدريجيا الى الطلبة، الذي أصبح جزء منهم بحكم الشقاوة تارة وبحكم المراهقة تارة اخرى يقلل من احترام معلمه ليضحك التلاميذ. وبتفاوت ردود فعل المعلمين على هذه المواقف، وباختلاف دعم إدارة المدرسة ومن ورائها مديرية التعليم وصولا الى الوزارة والحكومة والدولة، تقهقرت وتدهورت مكانة واحترام وهيبة المعلم في نظر الجميع، حتى نفسه.

كانت الفئة الأولى بالنهوض بحزم لوقف هذا التدهور في مكانة المعلم، هي فئة اولياء الامور، لان المتضرر والخاسر الاكبر من ذلك التدهور هم الأبناء، الطلبة، والأسرة وبالتالي المجتمع والأمة. لكن الأمر سار مع الاسف بالاتجاه المعاكس، ووجدت من العائلات من تشكو المعلم لرفعه صوته على أحد ابنائها، متجاهلة قلة ادب هذا الطالب التي دفعت المعلم لذلك. ومع مرور الوقت، أصبح الأهل والطلبة في كثير من الحالات خصوما للمعلم. وأصبحت القصص تروى حول بعض الممارسات العنيفة للمعلمين تجاه الطلبة متجاهلين أضعافها من القصص التي عمل المعلم بحكمته فيها على احتواء مواقف غاية في الحرج وسوء الأدب من الطلبة. وكانت النتيجة الحتمية لكل ذلك ما نراه اليوم من عوار كبير في سلوك الكثيرين من الشباب الذين لم يتلقوا تعليما وتأديبا كما كان ينبغي، بل وأصبحوا هم بدورهم خصوما لمعلمي ابنائهم.

فيا أيها الأهل الكرام، ويا أولياء الامور الافاضل، لقد حان الوقت لتنظروا في الأمر نظرة عميقة، تحكمها الحكمة والحصافة قبل الإنصاف والعدل، نظرة تقييم لتوجهاتكم إزاء من يحملون رسالة تعليم وتأديب أبنائكم. هؤلاء المعلمين الأساتذة العظام الذين هوت بهم نظرتكم الظالمة وحكمكم الجائر إلى مستويات من الإهانة والازدراء لا يليق أبدا أن توجه إليهم. لقد حان الوقت يا إخوة، لينهض المجتمع كله ويقف وقفة مشرفة تهدف لإعادة اعتبار بل وتكريم وتقدير وتشريف المعلم، الذي يحمل رسالة مقدسة، هي عماد نهضة الأسرة والمجتمع والأمة كلها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *