التعليم في العالم العربي

لا شك أن الأمة العربية في كثير من حقب التاريخ قديمها وحديثها كانت حاضنة لحضارات عريقة ضاربة في القدم، وأنها بقدوم الاسلام امتدت وضمت ودمجت الكثير من الشعوب والحضارات وبالتالي العلوم والمؤلفات والترجمات حتى أضحت العلوم باللغة العربية مرجعا رئيسيا كثير من النهضات الحديثة في كل المجالات العلمية والأدبية والحضارية.

لكن الناظر اليوم لحالة العلم والتعليم في العالم العربي لا يسر كثيرا للتردي الذي يلاحظه في مستوى ووسائل التعليم في القطاع الواسع العريض من أبناء وبنات الأمة في سن التمدرس كما يستخدم المصطلح في المغرب العربي. ولن أتطرق هنا الى الاسباب التي اوصلتنا الى هذا رغم الاهمية العظيمة للبحث فيها، لكن لأن هناك الكثير مما قيل ويقال حول هذه النقطة. ما أود الالتفات إليه هنا هو كيف للمعلم والأهل في ظل هذه الظروف الصعبة أن يوفروا للأبناء التعليم الذي لا يحقق فقط الحد الادنى من ضرورات واحتياجات التلميذ للمستقبل الذي يبدو مليئا بالتحديات، بل ويمكنهم من تعظيم الاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم لتغذيتها وصقلها وتوجيهها باتجاه التميز والإبداع في الحاضر والمستقبل القريب والبعيد.

وبعيدا عن نظريات التربية الحديثة وما تتضمنه من احتياجات ومستلزمات العملية التعليمية وما يتوفر لكثير من الطلبة في البلدان المتقدمة والمستقرة من وسائل وإمكانات مكانية وتكنولوجية ونفسية لكل من المعلمين والطلبة، بعيدا عن كل هذا دعونا نتذكر قصص النجاح التي اجترحها كثير من آبائنا وهم يدرسون على ضوء مصباح خفيف في بيت فقير أو في ظل ظروف عائلية ونفسية صعبة، ثم خرج منهم علماء وقادة ومبدعون على مستوى العالم. فالعبرة ليست بالتجهيزات والإدارة التعليمية والوسائل، بل هي أولا بالشغف الذي يسكن قلب الطالب للتعلم، والذي ينبع منه الدافع الذي يحرك كل جهوده للتغلب على كافة التحديات التي تعترضه، وثانيا بالمعلم الذي يملك الإخلاص والإصرار على استخراج كل ما في طلبته من كنوز دفينة يعلمها ويراها بخبرته وفراسته وتقييمه لأداء وأسلوب كل واحد منهم.

وربما كان من المهم أن نستذكر العقليات المبدعة والقامات الكبيرة من علماء وأدباء، أطباء ومهندسين وفنانين وصلوا إلى العالمية وقد كانوا ابتداء في عداد الطلبة الفقراء ممن لم تتح لهم الفرص النادرة ولا ضمتهم أجنحة المدارس الفاخرة، لكنهم كانوا فخرا لأمتهم ونالوا تقدير الأمم التي برزوا على علمائها ومبدعيها. وربما كان عميد الأدب العربي طه حسين من الأمثلة الصارخة على قهر التحديات بكل أنواعها والوصول إلى أعالي قمم الريادة والإبداع والتميز.

فليكن هدفنا إذن البحث في كيفية العمل بما هو متوفر لاستخراج هذه الجواهر الثمينة في عقول أبنائنا وإحلالها في المقام اللائق بكل منها لعلها تكون طليعة جيل يقود الأمة إلى ما تصبو إليه في القريب العاجل ان شاء الله.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *